يجد الباحث بعد الإطلاع على الأحاديث الواردة عن أهل البيت ودراستها أن الأئمة تحدثوا عن جفار [1] أربعة لا عن جفر واحد [2] ، أما الجفر الأول فهوكتاب، والثلاثة الأخرى أوعية ومخازن لمحتويات ذات قيمة علمية ومعلوماتية ومعنوية كبيرة، وهذه الجفار هي:
1. كتاب الجفر:
وهوكتاب أملاه رسول الله محمد في أواخر حياته المباركة على وصيه وخليفته علي بن أبي طالب وفيه علم الأولين والآخرين ويشتمل على علم المنايا [3] والبلايا [4] والرزايا [5] وعلم ما كان ويكون إلى يوم القيامة [6] وقد جُمعت هذه العلوم في جلد شاة.
روى سدير الصيرفي، قال: دخلت أنا والمفضل بن عمر وأبوبصير وأبان بن تغلب على مولانا أبي عبد الله جعفر بن محمد فرأيناه جالسا على التراب وعليه مسح خيبري مطوق بلا جيب مقصر الكمين وهويبكي بكاء الواله الثكلى ذات الكبد الحري قد نال الحزن من وجنتيه وشاع التغير في عارضيه وأبلى الدموع محجريه وهويقول:
« سيدي غيبتك نفت رقادي وضيقت علي مهادي وأسرت مني راحة فؤادي، سيدي غيبتك أوصلت مصابي بفجائع الأبد وفقد الواحد بعد الواحد يفنى الجمع والعدد فما أحس بدمعة ترقى من عيني وأنين يفتر من صدري عن دوارج الرزايا وسوالف البلايا إلا مثل لعيني عن عوائر أعظمها وأفظعها وتراقي أشدها وأنكرها ونوائب مخلوطة بغضبك ونوازل معجونة بسخطك ».
قال سدير: فاستطارت عقولنا ولها وتصدعت قلوبنا جزعا عن ذلك الخطب الهائل والحادث الغائل وظننا أنه سمة لمكروهة قارعة، أوحلت به من الدهر بائقة، فقلنا لا أبكى الله يا ابن خير الورى عينيك، من أي حادثة تستنزف دمعتك وتستمطر عبرتك، وأية حالة حتمت عليك هذا المأتم ؟
قال: فزفر الصادق زفرة انتفخ منها جوفه واشتد منها خوفه وقال:
« ويكم إني نظرت في كتاب الجفر صبيحة هذا اليوم وهوالكتاب المشتمل على علم المنايا والبلايا والرزايا وعلم ما كان وما يكون إلى يوم القيامة الذي خص الله تقدس اسمه به محمدا والأئمة من بعده عليه وعليهم السلام، وتأملت فيه مولد قائمنا وغيبته وإبطاءه وطول عمره وبلوى المؤمنين به من بعده في ذلك الزمان وتولد الشكوك في قلوبهم من طول غيبته وارتداد أكثرهم عن دينهم وخلعهم ربقة الإسلام من أعناقهم التي قال الله تقدس ذكره و كُل إنسان ألزمناهُ طائرهُ في عُنُقه يعني الولاية فأخذتني الرقة واستولت علي الأحزان... » [7] .
مصدر كتاب الجفر:
روى الصفار عن أحمد بن محمد عن القاسم بن يحيى عن الحسن بن راشد قال: سمعت أبا إبراهيم [8] يقول إن الله أوحى إلى محمد أنه قد فنيت أيامك وذهبت دنياك واحتجت إلى لقاء ربك فرفع النبي يده إلى السماء وقال: « اللهم عدتك التي وعدتني إنك لا تخلف الميعاد ».
فأوحى الله إليه أن ائت اُحدا أنت ومن تثق به فأعاد الدعاء فأوحى الله إليه امض أنت وابن عمك حتى تأتي اُحدا ثم لتصعد على ظهره فاجعل القبلة في ظهرك ثم ادع وأحس الجبل بمجيئك فإذا حسك فاعمد إلى جفرة منهن أنثى وهي تدعى الجفرة [9] تجد قرينها الطلوع وتشخب أوداجها دما وهي التي لك، فمُر ابن عمك ليقم إليها فيذبحها ويسلخها من قبل الرقبة ويقلب داخلها فتجده مدبوغا، وسأنزل عليك الروح وجبرئيل معه دواة وقلم ومداد ليس هومن مداد الأرض يبقى المداد ويبقى الجلد لا يأكله الأرض ولا يبليه التراب لا يزداد كل ما ينشر إلا جدة غير أنه يكون محفوظا مستورا فيأتي وحي يعلم ما كان وما يكون إليك وتمليه على ابن عمك وليكتب ويمد من تلك الدواة.
فمضى حتى انتهى إلى الجبل ففعل ما أمره فصادف ما وصف له ربه، فلما ابتدأ في سلخ الجفرة نزل جبرئيل والروح الأمين وعدة من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله ومن حضر ذلك المجلس ثم وضع علي الجلد بين يديه وجاء به والدواة والمداد أخضر كهيئة البقل وأشد خضرا وأنور.
ثم نزل الوحي على محمد وجعل يملي على علي ويكتب علي أنه يصف كل زمان وما فيه وغمزه بالنظر والنظر وخبره بكل ما كان وما هوكائن إلى يوم القيامة وفسر له أشياء لا يعلم تأويلها إلا الله والراسخون في العلم فأخبره بالكائنين من أولياء الله من ذريته أبدا إلى يوم القيامة وأخبره بكل عدويكون لهم في كل زمان من الأزمنة حتى فهم ذلك وكتب ثم أخبره بأمر يحدث عليه وعليهم من بعده فسأله عنها، فقال: الصبر الصبر وأوصى الأولياء بالصبر وأوصى إلى أشياعهم بالصبر والتسليم حتى يخرج الفرج، وأخبره بأشراط أوانه وأشراط تولده وعلامات تكون في ملك بني هاشم فمن هذا الكتاب استخرجت أحاديث الملاحم كلها أو صار الوصي إذا أفضى إليه الأمر تكلم بالعجب [10] .
2. الجفر الأبيض:
وهووعاء « جلد ماعز أوضأن» يحتوي على كتب مقدسة ليس من ضمنها القرآن الكريم. فقد رُوي عن الإمام جعفر بن محمد الصادق أنه قال: «... وأما الجفر الأبيض فوعاء فيه توراة موسى وإنجيل عيسى وزبور داود وكتب الله الأولى... » [11] . وروى المُحدث الكُليني بأسناده عن الحُسين بن أبي العلاء قال سمعتُ أبا عبد الله يقُولُ: « إن عندي الجفر الأبيض ». قال: قُلتُ فأيُ شيء فيه؟
قال: « زبُورُ داوُد و توراةُ مُوسى و إنجيلُ عيسى و صُحُفُ إبراهيم و الحلالُ و الحرامُ و مُصحفُ فاطمة، ما أزعُمُ أن فيه قُرآنا و فيه ما يحتاجُ الناسُ إلينا و لا نحتاجُ إلى أحد حتى فيه الجلدةُ و نصفُ الجلدة و رُبُعُ الجلدة و أرشُ الخدش » [12] .
3. الجفر الأحمر:
وهووعاء « جلد ماعز أوضأن » يحتوي على السلاح، وفيه سلاح رسول الله . فقد روى المُحدث الكُليني عن الحُسين بن أبي العلاء قال سمعتُ أبا عبد الله يقُولُ: «... و عندي الجفر الأحمر ». قال قُلتُ: و أيُ شيء في الجفر الأحمر ؟ قال: « السلاحُ، و ذلك إنما يُفتحُ للدم يفتحُهُ صاحبُ السيف [13] للقتل... » [14] .
وروى الشيخ المُفيد ( قدس الله نفسه الزكية) عن أبي بصير عن الإمام جعفر بن محمد الصادق أنه قال: «.. وأما الجفر الأحمر فوعاء فيه سلاح رسول الله ولن يظهر حتى يقوم قائمنا أهل البيت... » [15] .
4. الجفر الكبير الجامع [16] :
وهوجلد ثور مدبوغ يشتمل على الجفار الثلاثة الآنفة الذكر، أي كتاب الجفر والجفر الأبيض والأحمر وهما مضمومان إلى بعضهما، وهذا ما يتوصل إليه الباحث بعد دراسة مجموع الأحاديث المروية في موضوع الجفر، والجمع بينها بحيث تصبح منسجمة تُفسر بعضها بعضا. فقد رُوي عن أبي عُبيدة قال: سأل أبا عبد الله بعضُ أصحابنا عن الجفر ؟ فقال: « هُو جلدُ ثور مملُوء علما... » [17] .
ورُوي عن علي بن سعد في حديث قال فيه: «... وأما قوله في الجفر فإنما هوجلد ثور مذبوح كالجُراب، فيه كتب وعلم ما يحتاج الناس إليه إلى يوم القيامة من حلال وحرام إملاء رسول الله وخطه علي بيده وفيه مصحف فاطمة، ما فيه آية من القرآن، وإن عندي خاتم رسول الله ودرعه وسيفه ولواءه وعندي الجفر على رغم أنف من زعم» [18] .
بعد هذه الدراسة يبدوأن الجفر الأخير وهو جلد الثور هو الوعاء الأكبر الذي يضم بقية الجفار، ذلك لأن الرواية الأخيرة تصرح بأن الجفر الكبير وهو جلد الثور يحتوي على ما تحتويه الجفار الثلاثة من كتاب وعلم وسلاح، فهوالجامع.
أين هذه الجفار ؟
تنُصُ الروايات بأن هذه الجفار إنما هي من مختصات أئمة أهل البيت الإثنا عشر وهم يتوارثونها وينظرون فيها ويطلعون على علومها وليس لأحد سواهم ذلك، فقد روى نُعيم القابُوسي عن أبي الحسن [19] أنهُ قال: « إن ابني عليا أكبرُ وُلدي و أبرُهُم عندي و أحبُهُم إلي و هُو ينظُرُ معي في الجفر و لم ينظُر فيه إلا نبي أو وصيُ نبي » [20]